(سلسلة المقالات العلمية ) - المقالة رقم 3
القيمة الاقتصادية للمعلومات
تستمد المعلومات
أهميتها من ارتباطها بمختلف مجالات النشاط البشري ، فمن منا لا يحتاج في أبسط أمور
حياته اليومية إلي معلومات ، و من منا لم تتأثر مصالحه يوما بنتيجة المعلومات ،
سواء كان ذلك في تعامله مع نفسه أو مع مجتمعه أفرادا و هيئات ، و قد أدي التوسع
المتزايد في نشاط الهيئات العلمية و المؤسسات الصناعية و التجارية إلي إنتاج كميات
ضخمة من المعلومات المتصلة بنشاط هذه المؤسسات .
من هنا ظهرت مشكلة
تحديد قيمة المعلومات باعتبار أن المعلومات تمثل موردا ذا طبيعة خاصة يختلف عن
طبيعة الموارد الاقتصادية الأخرى .
مفهــــوم
المعلومات
تحيط بالإنسان في
حياته اليومية مجموعة هائلة من البيانات ، في أشكال متباينة حروف ، أرقام ، رموز ،
كلمات ، أوراق ، و آلاف الأشياء الأخرى ، و تظهر الحاجة إلى هذه البيانات متى ما
ظهر هدف معين ، أو استعمال محدد لها . و بالتالي فإن هذه البيانات يتم تجميعها في
شكل ذا معنً ، أو تفسيرها ، أو تحليلها بحيث يمكن
تسجيلها ، و تداولها ، و نشرها ، و توزيعها ، سواء كان ذلك في صورة رسمية ،
أو غير رسمية ، لتتحول من مجرد بيانات " Data " إلي معلومات " Information "
، و ذلك لتحقيق الهدف المعدة من أجله . فالمعلومات بمعناها البسيط هي عبارة عن المنتج النهائي للمادة الخام و هي البيانات التي يتم تشغيلها وفق سير مراحل النظام . و بالتالي يمكن القول أن المعلومات هي بيانات معدة بحيث تعبر عن قيمة معينة ، و تهدف إلي تحقيق هدف معين . أي أن المعلومات بمثابة تعريف للبيانات و تحديد لقيمتها و نوعيتها و طريقة استخدامها .
، و ذلك لتحقيق الهدف المعدة من أجله . فالمعلومات بمعناها البسيط هي عبارة عن المنتج النهائي للمادة الخام و هي البيانات التي يتم تشغيلها وفق سير مراحل النظام . و بالتالي يمكن القول أن المعلومات هي بيانات معدة بحيث تعبر عن قيمة معينة ، و تهدف إلي تحقيق هدف معين . أي أن المعلومات بمثابة تعريف للبيانات و تحديد لقيمتها و نوعيتها و طريقة استخدامها .
مفهوم القيمة و
ارتباطها بالسلع ، و هل تعتبر المعلومات سلعة ؟
تعطى كلمة القيمة في
علم الاقتصاد مفهومين اثنين ، المفهوم الأول أن كلمة القيمة تدل على القيمة
التبادلية " Value of
Exchange " و هي الكمية من السلعة التي يجرى تبادلها مقابل سلعة معينة
، و في المراحل المتقدمة من التطور الاقتصادي يتم اختيار سلعة ما لقياس القيمة
النسبية للسلع الأخرى ، و تسمى هذه السلعة بالنقود .
و يقصد من ذلك أن
القيمة التبادلية لأي سلعة هو سعرها ، و لكي تكون للسلعة قيمة تبادلية فلابد أن
يتوفر فيها الشرطان الآتيان :
- المنفعة : و
ذلك من خلال إشباع رغبة إنسانية معينة ، و يظهر ذلك بشكل اقتصادي من خلال الطلب
على السلعة .
- الندرة النسبية
: أي أنها توجد بكميات محدودة ، و تتكلف قدرا معينا من الموارد في سبيل
إنتاجها و تظهر بشكل اقتصادي متمثلة في عرض السلعة .
و بالتالي فإن القيم
التبادلية تتأثر بشكل مباشر بقوى العرض و الطلب .
أما المفهوم الآخر للقيمة يتحدد من خلال استعمالها أو ما يطلق
القيمة المستفادة
"Value in Use " و يقصد بها المنفعة الكلية
التي تحققها كمية من هذه السلعة لشخص معين.
لذا فإنها ترتبط
بالتقدير الشخصي للسلعة ، فقد تجد بعض السلع لها قيمة استعمالية كبيرة ، و مع ذلك
قيمتها التبادلية ضئيلة مثل الماء فهو سلعة قيمتها الاستعمالية كبيرة جدا لأنها
تتحدد من خلال منفعتها الكلية ، في حين أن قيمتها التبادلية ضئيلة لأنها تتحدد
بالمنفعة الحدية ( و يقصد بها المنفعة الإضافية التي تزداد بزيادة الاستهلاك من
السلعة ) .
يلاحظ مما سبق أن
القيمة ترتبط ارتباطا مباشرا بالسلعة ، فما هي السلعة ؟ و هل يمكن القول أن
المعلومات سلعة ؟
تعرف السلعة على أنها
أي شئ يمكن أن يكون موضع تبادل . كما أن السلعة يجب أن تكون لها القدرة على إشباع
رغبة ما ، و تتصف بخاصية الندرة أي أن الكمية التي تعرض منها أقل نسبيا من الطلب
عليها و بالتالي يمكن تحديد سعرها . و السلع إما أن تكون سلعا استهلاكية يحدث فيها
الإشباع بشكل مباشر مثل الطعام و المسكن ، أو سلع رأسمالية يحدث فيها الإشباع بشكل
غير مباشر و تستخدم في إنتاج سلع أخرى و
لذلك تسمي بالسلع الإنتاجية . كما أن السلع التي يتم استهلاكها كليا بواسطة شخص
واحد تسمى " سلعا خاصة " في حين تسمى السلع التي لا تتأثر تكاليفها بعدد
الأشخاص المنتفعين بها أي أنها منتج أو خدمة بدون تكاليف حدية ( إضافية )
للمستخدمين الإضافيين " سلعا عامة "
. و بالنظر إلي المعلومات نجد أنها
تحقق منفعة لمستخدمها ، و هو المستقبل من خلال إضافة معلومات جديدة لمعرفته
بالنسبة للمهمة التي يقوم بها أي أنها مثل السلع لها قدرة على إشباع حاجة معينة .
و المعلومات محدودة و لا تتوفر بشكل طبيعي أو مطلق ، إذ يجب إعدادها و توزيعها و
نشرها أي أنها نادرة نسبيا ، مما يعني أنها تتأثر بقوى العرض و الطلب ، و من هنا يمكن
القول أن المعلومات سلعة .
و توصف المعلومات بأن
لها وفورات خارجية إيجابية أي أنها تمثل قيمة للمستخدمين الآخرين غير المقصودين ،
و ذلك بدون أية تكاليف إضافية ، أو بقدر بسيط منها في حين الاستخدام المباشر
للمعلومات يلزم المستخدمين بتحمل التكاليف المبدئية التي تتم بالنسبة لتجهيز
البيانات أو الأفكار ، و خاصية المعلومات ذات التكاليف المباشرة العالية مع
التكاليف الحدية المنخفضة تضع المعلومات في فئة السلع شبه العامة ، حيث يبدو في
معظم الأحوال أن للمعلومات تكاليف حدية منخفضة جدا تتمثل في التكاليف الإضافية
لتوزيع المعلومات ، حيث تكون عادة صغيرة جدا بالنسبة للتكاليف المبدئية ، و
بالتالي فهي سلعة عامة ، أو شبه عامة أكثر منها سلعة خاصة.
و هناك خصائص تميز
المعلومات عن غيرها من السلع ، و هذه الخصائص نتيجة للوفورات الخارجية الايجابية و
تتمثل في:
- خاصية عدم النضوب : من خلال وجود المعلومات بعد الاستهلاك ، فهي
تنتشر دون أن تقل ، و دون تحمل تكاليف حدية كبيرة .
- خاصية عدم الاستحواذ الكامل : حيث لا يمكن
احتواء المعلومات أو احتجازها لاستخدام معين أي أنها تنتشر حتى و لو كانت موجهة
إلي شخص بعينه .
كما أن المعلومات
تتميز بصفات أخرى مثل القدرة على المشاركة ، و القابلية للانضغاط ، و القابلية
للاستبدال ، و هذه تميز منتجات المعلومات و تلقى بذلك الشك على معالجة منتج
المعلومات كالسلع الأخرى . و من هذا المنطلق فقد ذهبت العالمة الاقتصادية " Beth Allen " إلي أن
إدخال المعلومات كسلعة اقتصادية يخالف الافتراضات المتفق عليها في النظرية
الاقتصادية الجزئية.
قيمة المعلومة
إن محاولة تحديد قيمة حقيقية و موضوعية
للمعلومات يمثل مشكلة صعبة ، لأن التعامل هنا ليس مع سلعة عادية ، و إنما مع سلعة
لها خصائص تميزها عن غيرها من السلع الاقتصادية الأخرى .فأثر المعلومات يظهر من
خلال تغير في البنية المعرفية الشخصية للمتلقي للمعلومة ، و هذا أمر معنوي غير
ملموس ، و لا يمكن قياسه بشكل دقيق أو بطريقة اقتصادية حيث تتحدد قيمة المعلومة
بالدرجة الأولى من خلال مستقبل المعلومات ، و درجة استفادته منها ، لأن الاستخدام
للمعلومة هو الذي يضفي عليها صفة القيمة .
فالمعلومات غالبا ما
يتم الحصول عليها لغرض بعينه ، و من ثم فإن مقياس القيمة من خلال الاستخدام الفعلي
لخدمة هذا الغرض ، و إذا كان كل ما يقدم لجميع المتلقين من معلومات يستثمر أو
يستفاد منه ، فإننا يمكن أن ندعى أن الخدمة تحقق 100 % من القيمة في استجابتها لما
يقدمه هؤلاء من طلبات . و هذا يعتبر من الناحية العملية أمرا مستبعد الحدوث ، إن لم يكن مستحيلا ،
لأن مستخدمي المعلومة هم بشر مختلفون ، و من الصعب جدا أن تتفق وجهات نظرهم في
استخدام نفس المعلومة ، و ذلك يعود للسلوك الإنساني ، و تأثيره في تحديد أهمية
المعلومة و اختلاف الهدف و طريقة التفكير من مستخدم لآخر .
و تتمثل قيمة
المعلومة في قيمة التغير في القرار و الذي يكون سببه المعلومات ، مطروحا منها
تكلفة الحصول على هذه المعلومات . و في
حالة وجود عدد من البدائل أمام متخذ القرار فإن اختياره لإحدى البدائل يكون بناء
على المعلومات المتوافرة لديه ، فإذا أدى توفير معلومات جديدة و إضافية إلي اختيار
بديل معين ( و من ثم قرار آخر ) فإن قيمة المعلومات في هذه الحالة تمثل الفروق بين
نتائج القرار الأول و نتائج القرار الثاني مطروحا منها تكلفة الحصول على هذه
المعلومات الإضافية التي أدت إلي تغيير القرار ، لذا يمكن القول أنه إذا لم تؤد
المعلومات الإضافية و الجديدة إلي تغير القرار المتخذ سابقا فإن قيمة المعلومات
تساوي صفر .
إن الاستثمار في
مصادر المعلومات يمثل إيجابية تتمثل في معلومات اقتصادية أكثر دقة تؤدي إلي قرارات
أفضل ، غير أن هناك اعتبارات يجب مراعاتها قد يكون لها أثر سلبي و تتمثل في :
- تكلفة إنتاج
المعلومات :
تختلف تكلفة إنتاج
المعلومات من تنظيم لآخر ، و هناك عدة عوامل تؤدي إلي الاختلاف منها :
1- التنظيمات لها
أحجام مختلفة .
2- طبيعة النظم أو
الغرض منها ، حيث توجد تنظيمات الغرض الأساسي لها إنتاج معلومات لتنظيمات أخرى ،
في حين أن هناك مؤسسات تمثل المعلومات فيها وسيلة للمساعدة في اتخاذ القرارات
السليمة .
3- نوعية الإدارة و
الطرق التي تستخدمها في أدائها للعمل .
4- اختلاف الطرق
المحاسبية لمعالجة تكلفة إنتاج المعلومات تساهم في الاختلاف الموجود في تقارير
التكاليف .
- العائد غير
المؤكد للمعلومة :
العلاقة بين
الإنتاجية و استخدام المعلومات ليست علاقة قاطعة مانعة ، فإذا اشترى الفرد 10 %
حديد أكثر ، فمن الواضح أنه يمكن أن ينتج 10 % إنتاج أكثر ، و لكن عندما يشتري
الفرد
10 % معلومات أكثر
فليس من الواضح أبدا ماذا يمكن أن يحدث ؟
حيث أن القرارات يتم
اتخاذها في ظروف من عدم التأكد ، بل إنه في بعض الأحيان يتم اتخاذ القرار على عكس
ما تشير به المعلومات ، و بالتالي فإن قيمة المعلومات هنا تصبح صفرا ، كما أنه من
الصعب ربط النتائج الايجابية لاتخاذ القرار دائما بتوفر المعلومات التي يتم
الاعتماد عليها حيث أن نجاح القرار بالدرجة الأولى يعتمد على متخذ القرار .
- العائد على
المدى الطويل :
تتمثل المعلومات في
المعرفة النظرية و الحقائقية المتاحة للفرد ، أي أنه يمكن اعتبارها كاستثمار في
الفرد و الذي سيتحول بالمعلومات الصالحة إلي عامل أكبر تأثير في الإنتاجية .
و لذلك فإنه يمكن
الحصول على المعلومات و اختزانها كاستثمار ، و ليس للاستهلاك كمنتج أي أنه يمكن
معاملتها كمورد رأسمالي ، و بالتالي فإن قيمتها لا تتحدد بوضوح إلا بتحقيق العائد
الذي غالبا ما يكون فقط على المدى البعيد ، في حين أن الإنفاق يتم مباشرة و يعني
ذلك أن معظم الاستثمارات المعلوماتية تتم على فترة طويلة من الزمن .
و الخلاصة إن المعلومات
تمثل موردا هاما لأي تنظيم ، و عادة ما ينتج عنها و كمثل أي مورد تكاليف معينة من
أجل الحصول عليها أو إنتاجها ، و من غير الاقتصادي لأي تنظيم تحمل تكلفة تفوق
العائد أو القيمة المتوقع الحصول عليها ، بالتالي فإن الرغبة
تنعدم في الحصول على المعلومة متي ما كان استثمار 2 دينار مثلا للحصول على ما
قيمته 1 دينار معلومات . و بالرغم من وجود عدة ظروف و عوامل تؤثر في تقييم
المعلومات ، ففي التحليل النهائي فإن المستخدم لهذه المعلومة هو وحده القادر على
تقدير القيمة الحقيقية لها .