الأحد، 18 سبتمبر 2016

لعنة الموارد الوفيرة

(سلسلة المقالات العلمية ) - المقالة رقم 9

لعنة الموارد الوفيرة  


و تعرف أيضا بمفارقة الكثرة ، و تشير الي تلك المفارقة التي تمر بها الدول التي تحوز على موارد وفيرة خصوصا الموارد غير المتجددة مثل المعادن و النفط ، حيث تكون معدلات نموها الاقتصادي منخفضة  و  أقل الدول ديمقراطية و تطورا مقارنة بالدول الأخرى ذات الموارد القليلة.


نظرية لعنة الموارد الوفيرة :
و ترتكز هذه النظرية على فكرة مفادها أن الموارد الوفيرة تشكل لعنة على الاقتصاد اكثر من كونها نعمة ، و قد كانت هذه الفكرة محل نقاش في فترة الخمسينات و الستينات من القرن العشرين ، الا أن مصطلح لعنة الموارد الوفيرة استخدم لأول مرة عام 1993 بواسطة ريتشارد أوتي و ذلك اثناء وصفه للوضع الاقتصادي للدول الغنية بالموارد المعدنية و كيف انها لا تستطيع برغم غناها و ثراءها ان تحقق تقدما اقتصاديا او تنمية حقيقية .
دراسة جيفري ساتشس و اندرو  وارنر وجدت أيضا علاقة ارتباط قوية بين الموارد الطبيعية الوفيرة و النمو الاقتصادي البطئ ، بالاضافة الي مئات الدراسات الأخرى و التي تحاول الاجابة عن كيف و لماذا و متى تحدث لعنة الموارد الوفيرة ؟

يصنف صندوق النقد الدولي 51 دولة على أنها دول غنية بالموارد ، حيث أن ما يعادل 20% من إيرادات هذه الدول على الأقل تأتي من موارد طبيعية غير متجددة ، 29 دولة منها تعتبر من الدول ذات الدخل المنخفض الي المتوسط و من خصائص هذه الدول الـ 29 :
- اعتماد كبير على مورد واحد للدخل .
- انخفاض معدلات الادخار.
- ضعف معدلات التنمية و النمو الاقتصادي.
- التذبذب في الايرادات من المورد . 

الآثار الاقتصادية للعنة الموارد الوفيرة

أولا : الموارد البشرية
في كثير من الدول الفقيرة ، تمتاز الصناعات التي تنشا على الموارد الطبيعية بأجورها المرتفعة مقارنة بغيرها مما هو متاح في البلاد. حيث يؤدي ذلك بالنتيجة الي توجه أصحاب المهارات في القطاعات الأخرى – سواء كانت الحكومية او الخاصة – للعمل في صناعات محددة مما يؤثر سلبا على توزيع المهارات و تحقيق توازن في البلاد . كما ان الدول صاحبة الموارد الوفيرة – و خصوصا ما يعتمد منها على قطاع النفط - تقوم بإهمال التعليم و عدم الانفاق عليه ، حيث انها لا ترى أي حاجة له الآن ، فلا توجد أية عوائد من الانفاق على التعليم في حين تدر الثروات الطبيعية دخلا هائلا. إن دولا مثل كوريا الجنوبية ، تايوان و سنغافوره ، حيث تنعدم الموارد الطبيعية ، فإنها تركز بشكل كبير على التعليم و يساهم ذلك بشكل كبير في إزدهارها الاقتصادي .  

ثانيا : الدخل و التوظيف
تشير الدراسات العلمية الى أنه على الرغم من الدخول المرتفعة و الوظائف التي توفرها الموارد الوفيرة في المدى القصير ، الا أنه لها تأثيرات سلبية على المدى الطويل فهى تؤدي الي انخفاض معدلات النمو الاقتصادي في الدول و ضعف معدلات التنمية الاقتصادية.

ثالثا : عدم الاستقرار في الايرادات :
عندما تعتمد إيرادات الدولة بشكل رئيسي على مصدر وحيد للدخل ، فإن عدم الاستقرار في أسعار بيع هذا المورد تؤثر بشكل سلبي في تنفيذ مخططات الحكومة و إدارة الأمور المالية و النقدية للبلاد .

الآثار السياسية للعنة الموارد الوفيرة 

أولا : الصراعات المسلحة 
تشير الدراسات العلمية الى ان الدول ذات الموارد الوفيرة تكون مرشحة اكثر من غيرها لاحتمال دخولها في صراعات مسلحة داخلية كانت أم مع دول اخرى ، حيث وجدت إحدى الدراسات أنه في الدول التي تمثل نسبة مساهمة المصادر الوفيرة في ناتجها القومي الاجمالي 5% ، تكون نسبة احتمال دخولها في نزاع مسلح 6% ، و ترتفع في الدول ذات 25% كنسبة مساهمة في الناتج القومي الاجمالي لتصل الي 33%. و يرجع ذلك الي ان الثروة الناتجة من الموارد الوفيرة تزيد الرغبة في السيطرة و التحكم في موارد و منابع الثروة ، كما أنها تمثل مصدر وفيرا للانفاق على التسلح و تمويل نفقات الحروب ، خصوصا في ظل وجود قيادات و حكومات غير رشيدة ، و يشير تقرير صدر عام 2016 الي أن الدول التي تنفق اكثر من 6% من ناتجها القومي الاجمالي على برامج التسليح و الدفاع و هي (سلطنة عمان ، جنوب السودان ، السعودية ، العراق، ليبيا ، الجزائر) و من الملاحظ ان هذه الدول جميعها هي دول نفطية ذات مورد وحيد للدخل.

ثانيا : الحكم الدكتاتوري :
تشير الدراسات العلمية الى ان الدول النفطية الغنية ذات مستوى منخفض في  الديمقراطية كما أنها تدعم و تقوي الحكم الدكتاتوري. و يرتبط ذلك بمورد واحد فقط و هو النفط كما يشير مايكل روس في دراسته . النفط يقوي النظم الدكتاتورية و يجعل الانتقال لنظام ديمقراطي مسألة غاية الصعوبة و محفوفة بالمخاطر و غير متوقعة النتائج .
في الدول التي لا تعتمد على مصدر وحيد للدخل ، تساهم مصادر متنوعة في تحقيق الدخل من بينها الايرادات من الضرائب التي يدفعها المواطنون ، و التي تعمل على تقوية الروابط بين الشعب و الحكومة ، فالمواطن الذي يدفع الضرائب و يساهم في بناء الدولة ينشأ على حب البلاد و يساهم في المحافظة على المال العام و مراقبته ، بل أن الحكومة تكون في خدمته فمن خلاله يتوفر لها الوظائف .  و تنعدم هذه العلاقة في الدول ذات المورد الوحيد حيث تنخفض نسبة المواطنة و الانتماء للوطن في الدول الغنية ذات المورد الوحيد – خصوصا النفطية منها- فالمواطن هو عبء على الحكومة ، و الحكومة تغطي كل نفقاتها من ايرادات النفط . و هم جميعا يعيشون في حالة من الصراع الدائم و كل منهم يريد ان يستحوذ على اكبر قدر ممكن من الثروة معللا ذلك بطريقته الخاصة. لذلك فإن معدلات الفساد تكون مرتفعة و يصاحبها انخفاض الاداء الاداري و الحكومي .

ترى أي مستقبل ينتظر تلك الدول التي ترفل في نعيم المورد الوفير الوحيد ، متغافلة عن آثاره السلبية عن قصد أو جهل أو التي تغرق في استهلاك و استنفاد مواردها و تجهيل شعوبها و الدخول في صراعات و نزاعات لا تنتهي الا بدمار كل شئ !!؟