الاثنين، 2 مايو 2016

مراحل الانتقال من النظام المصرفي التقليدي الي النظام المصرفي الاسلامي

(سلسلة المقالات العلمية ) - المقالة رقم 8

مراحل الانتقال من النظام المصرفي التقليدي الي النظام المصرفي الاسلامي  

عماد خليفة إدريس
شهدت المصارف الاسلامية و نشاطاتها ازدهارا منقطع النظير، و ذلك نظرا للاستقرار الذي تتمتع به الأنشطة المصرفية الاسلامية و رغبة المصارف الكبرى في توفير منتجات متنوعة لتلبية حاجات الزبائن المختلفة ،  حيث تتراوح معدلات النمو في قطاع الصيرفة الاسلامية بين 10- 12% سنويا ، هذا و تصل تقديرات قيمة الأصول المالية الشرعية في المصارف و المؤسسات المالية و أسواق رأس المال و مؤسسات التكافل الي ما يعادل 2 تريليون دولار. و في كثير من البلدان التي يمثل فيها المسلمون أقلية ، شهدت أصول المصارف الاسلامية نموا أسرع من أصول المصارف التقليدية ، كما أن هناك الكثير من الاهتمام بالمنتجات المصرفية الاسلامية في دول غير مسلمة مثل المملكة المتحدة ، لوكسمبورغ، جنوب أفريقيا و هونغ كونغ .
 في ظل هذا النجاح للقطاع المصرفي الاسلامي فقد بدأت بعض الدول الاسلامية في التفكير للانتقال بنظامها المصرفي التقليدي الي النظام المصرفي الاسلامي ، غير ان هذا الانتقال لا يتم بين عشية و ضحاها ، و لا يتم بمبادرات سياسية أو حملات دينية أو شعبية ، إنما يتم ذلك وفقا لخطط اقتصادية مدروسة حتى تضمن الانتقال الناعم الذي لا يشوه النظام الاقتصادي و يؤدي الي نتائج عكسية قد تؤدي الي فشل عملية الانتقال و العودة الي النظام التقليدي . و قد وضح الخبير الاقتصادي في صندوق النقد الدولي و المتخصص في الأنشطة الاقتصادية الاسلامية خوان سول المراحل التي يجب ان يمر بها النظام الاقتصادي أثناء انتقاله من النظام التقليدي الي نظام الصيرفة الاسلامي :

المرحلة الأولى : طرح منتجات مالية إسلامية مختارة

مصرف الراجحي السعودي - أحد أكبر المصارف الاسلامية في العالم
حيث تقوم المصارف التقليدية بفتح مشروعات تجريبية تدرس من خلالها السوق و العملاء و تستقرئ من خلال السبل التي تمكنها من النجاح ، و تعتبر هذه النوافذ كتجربة اختبارية و تدريب للمصرف على كيفية الدخول في الانشطة المالية الاسلامية و تقديمها للسوق و العملاء بالشكل المناسب . هذه النوافذ تتبع المصارف التقليدية و لكن كل ما يقدم فيها من منتجات يخضع لأحكام الشريعة الاسلامية أي انها توفر منتجات مالية إسلامية تحت إدارة المصرف التقليدي و يكون نشاطها صغيرا و متوسطا بحيث تقوم بتهيئة السوق و الزبائن و الموظفين للقيام بأعمال المصارف الاسلامية . و مراعاة لقواعد الشريعة الاسلامية و حتى لا تختلط الأصول الاسلامية و ايراداتها و نشاطاتها مع أصول المصرف التقليدي يتم تصميم النظام المالي و المحاسبي بحيث يحقق فصلا تاما للحسابات المالية للنوافذ الاسلامية عن حسابات المصرف التقليدي.
مع ازدهار نشاط النوافذ الاسلامية و توسع أعمالها ، فإن البنك التقليدي سيسعى لتحويل النافذة الاسلامية الي فرع اسلامي مستقل . و هذا الاتجاه في اطلاق المصارف الاسلامية يعد أكثر شيوعا في جنوب شرق آسيا و الدول الغربية أكثر منه في دول الشرق الأوسط حيث اتجهت هذه الدول إلى تأسيس مصارف اسلامية مباشرة دون المرور بمرحلة النوافذ الاسلامية كما حدث في الكويت و سوريا و ربما يرجع ذلك – و هذا رأي شخصي – الي مركزية هذه الدول و تحكم الدولة في النظام الاقتصادي بشكل مباشر من خلال القطاع العام و تدخلها بشكل كبير في عمل القطاع الخاص .

المرحلة الثانية : فتح مصارف إسلامية
بيت التمويل الكويتي - المصرف الاسلامي الأول في الكويت و الثاني في الخليج

ما أن يستقر وضع النافذة الاسلامية في المصرف التقليدي و تتضح الرؤيا جليا فيما يخص الامكانيات البشرية المطلوبة و المتطلبات القانونية و التشريعية و الشرعية و الادارية و الفنية ، فإن المصرف التقليدي سيفكر جديا بتحويل النافدة الي فرع اسلامي ، بل إن النشاط قد يتطور ليصبح بعد ذلك مصرفا اسلاميا كاملا و ليس فرعا فقط ، مع الأخذ بعين الاعتبار ان توفير فروع اسلامية يعطي المرونة للمصرف للتعامل التقليدي في الفروع الأخرى كما يقدم الخيار للزبون في التعامل مع الفرع الذي يختاره ، و من جانب أخر فإن المصارف الاسلامية الكاملة تشكل ضمانا أكثر لاتباعها أصول الشريعة بشكل أكثر فعالية و دقة و مصداقية من المصارف ذات النشاطين التقليدي و الاسلامي .


المرحلة الثالثة : تقديم أدوات و مؤسسات مالية إسلامية غير مصرفية

HSBC و منتجات أمانة المصرفية الاسلامية
مع ازدهار نشاط المصارف الاسلامية و تعدد نشاطاتها و منتجاتها فإنها بذلك تؤسس بيئة اقتصادية مناسبة لازدهار الأنشطة المالية و الاستثمارية ذات الطابع الاسلامي و تفتح بذلك المجال للمؤسسات الاسلامية الاخرى لممارسة نشاطها من خلال عمل المصارف الاسلامية كوسيط مالي شرعي يساهم في تسهيل عمليات هذه المؤسسات و ضمان خضوعها للمتطلبات الشرعية الاسلامية و توفير مرجعية مؤسسية لها كالمنتجات الضمانية الاسلامية (تكافل) و صناديق الاستثمار و الصكوك الاسلامية .

المرحلة الرابعة : الأسلمة الكاملة النظام المصرفي :

قرار التحول الكامل للنظام المصرفي الاسلامي يخضع لعدة اعتبارات سياسية و دينية ، و لا يوجد دليل علمي حتى الآن يؤكد أن النظام المصرفي الاسلامي أفضل من او أقل كفاءة من النظام المصرفي التقليدي . و بطبيعة الحال فإن النظام المصرفي الاسلامي يبدو اكثر ملاءمة و قابلية للتطبيق في الدول ذات الأغلبية المسلمة . و من الدول التي تتبني نظاما اسلاميا ماليا متكاملا إيران و السودان ، حيث بدأ تطبيق ذلك في إيران منذ عام 1983 و في السودان منذ عام 1992 . و من جانب أخر فقد لجأت بعض الدول الاسلامية الي اعتماد نظام مختلط و قد ساهم ذلك بشكل كبير في تطوير نشاط المصارف الاسلامية و المؤسسات المالية الاسلامية و ازدهارها بشكل كبير كما هو الحال في ماليزيا و البحرين ، حيث ساهم هذا النظام المختلط في خلق بيئة تنافسية و أظهر بشكل واضح و جلي سرعة النمو و التطور و الازدهار التي يحققها القطاع المصرفي الاسلامي مقارنة بالقطاع المصرفي التقليدي رغم كل ما يتمتع به النظام التقليدي من حضور و انتشار في مختلف دول العالم . كما ان الأسلمة الكاملة قد تشكل عائقا امام الاقتصاد الوطني في التعامل مع الدول الأخرى و الاقتصادات العالمية الكبرى نظرا لمحدودية النشاط المصرفي الاسلامي فيها و اقتصار انتشاره على الدول ذات الأغلبية المسلمة.
إن قرار التحول الي النظام الاسلامي في المعاملات المالية و التجارية بشكل كامل هو قرار كبير و يتطلب تنفيذه وضع خطة اقتصادية متكاملة تمتد لعشرات السنوات و تمر بعدة مراحل حتى يتم تحقيق الهدف بكفاءة و فعالية.

يجب علينا الإدراك تماما ان مثل هذا النوع من القرارات يجب ألا يكون قرارا سياسيا او يترك أمره للمؤسسات الدينية فقط و انما يجب ان يكون قرار اقتصاديا حتى لا يؤدي ذلك الي فشل أسلمة النظام المصرفي و العودة بشكل متطرف الي النظام المصرفي التقليدي .