الاثنين، 4 أبريل 2016

الحكاية الثالثة

سلسلة حكايات محاسبية - 3


جنرال موتورز و لعنة التكاليف الثابتة !

الشركة العملاق جنرال موتورز و التي كانت تصنع أكثر من 9 مليون سيارة و شاحنة سنويا و تنتشر في 34 دولة بفروعها التي وصلت إلي 463 فرعا و موظفيها 234500 موظفا ، 91000 موظفا منهم يعملون في فروع الشركة في الولايات الأمريكية المتحدة ، توفر الشركة التأمينات الطبية و المعاشات التقاعدية لـ 439000 موظف متقاعد. و في أمريكا فقط تنفق الشركة 50 مليار دولار سنويا لشراء القطع و توفير الخدمات من 11500 موفر خدمة و مصانع أخرى و تدفع 476 مليار دولار في شكل مرتبات شهرية. بعد حفاظها لمدة 80 عام على لقب شركة السيارات الأكبر في العالم ، جنرال موتورز أعلنت افلاسها سنة 2009 .

انخفاض المبيعات و صعود المنافسين اليابانيين مثل تويوتا و هوندا  أثر على قدرتها في البقاء و لعل السبب الرئيسي هو ذلك التضخم الكبير في معدلات التكاليف الثابتة المرتفعة مقارنة بالشركات اليابانية المنافسة مما جعلها عاجزة عن مجاراة التغيرات في السوق و البقاء في وضع تنافسي مناسب ، تلك التكاليف التي لا تنخفض مع انخفاض عدد السيارات التي تقوم جنرال موتورز بتصنيعها و بيعها. سياسة ربط الاحزمة التي تتبعها الشركة خلال قرن من عمرها لكي تستطيع المنافسة مع الشركات اليابانية طالت فقط التكاليف المتغيرة ، و لكن النسبة المرتفعة لتكاليف التشغيل الثابتة بسبب الالتزامات مع اتحادات العمال جعلت من الصعب على الشركة إغلاق المصانع أو تخفيض قيمة المعاشات التقاعدية و التأمينات الصحية للعمال المتقاعدين . لتغطية تكاليفها الثابتة فإن شركة جنرال موتورز تحتاج الي بيع كثير من السيارات حيث بدأت في عام 2001 بعروضات بيع بحسومات و حوافز و قد نجحت لبضع سنوات في رفع المبيعات و فتح أسواق جديدة في الصين و أوروبا ، غير انه بحلول عام 2005 بدأ نمو نشاط الشركة في الانخفاض و وصلت خسائرها الى 10.4 مليار دولار ، و كنتيجة لذلك فقد شرعت الشركة في خطة إعادة تنظيم تم خلالها إغلاق أكثر من 12 مصنع ، الغاء آلاف الوظائف و تخفيضات في مرتبات العاملين و تجميد برنامج المعاشات التقاعدية ، و برغم السياسة التقشفية التي اتبعتها الشركة من اجل تخفيض نفقاتها الا أنها لم تكن كافية لتساير التغيرات في اسعار السوق للسيارات و الشاحنات في الولايات المتحدة و تزامن ذلك مع الارتفاع في اسعار البنزين ، لقد بدا واضحا أن الشركة تعاني انخفاضا حادا في المبيعات .

في أواخر عام 2008 و مع اشتداد الازمة الاقتصادية ، اعلنت شركة جنرال موتورز عن خططها لتخفيض ما قيمته 15 مليار من تكاليفها ، و الحصول على 5 مليار كإيرادات من بيعها لبعض الأصول لكن ذلك لم يكن كافيا. بحلول شهر نوفمبر 2008 كانت شركة جنرال موتورز قد خسرت 18 مليار دولار خلال العام و قد اقرضتها الحكومة الامريكية 20 مليار دولار لتستمر في تشغيل أعمالها . و برغم كل الجهود المبذولة لانقاذ الشركة الا ان حجم التكاليف الثابتة الهائل قاد الشركة الى الافلاس . في الأوراق المقدمة للمحكمة لاشهار الافلاس أقرت الشركة بأن أصولها بقيمة 82.3 مليار دولار في حين ان الديون تصل الى 172.8 مليار دولار.

مقر الشركة في مدينة ديترويت الأمريكية
لقد أدت سوء إدارة التكاليف في الشركة الى انهيار أكبر عملاق في العالم في صناعة السيارات ، جهل الادارة و متخذي القرارات بالمحاسبة الادارية و عدم معرفة المدراء بطبيعة التكاليف المتغيرة و الثابتة و تأثيرها في الأرباح و تحديد الأسعار و الوضع التنافسي أدى الى تحول العملاق الي قزم في عالم الاقتصاد .

المصادر