(سلسلة المقالات العلمية ) - المقالة رقم 8
مراحل الانتقال من النظام المصرفي التقليدي الي النظام المصرفي الاسلامي
عماد خليفة إدريس
شهدت المصارف الاسلامية و نشاطاتها ازدهارا
منقطع النظير، و ذلك نظرا للاستقرار الذي تتمتع به الأنشطة المصرفية الاسلامية و
رغبة المصارف الكبرى في توفير منتجات متنوعة لتلبية حاجات الزبائن المختلفة ، حيث تتراوح معدلات النمو في قطاع الصيرفة
الاسلامية بين 10- 12% سنويا ، هذا و تصل تقديرات قيمة الأصول المالية الشرعية في
المصارف و المؤسسات المالية و أسواق رأس المال و مؤسسات التكافل الي ما يعادل 2
تريليون دولار. و في كثير من البلدان التي يمثل فيها المسلمون أقلية ، شهدت أصول
المصارف الاسلامية نموا أسرع من أصول المصارف التقليدية ، كما أن هناك الكثير من
الاهتمام بالمنتجات المصرفية الاسلامية في دول غير مسلمة مثل المملكة المتحدة ،
لوكسمبورغ، جنوب أفريقيا و هونغ كونغ .
في ظل هذا النجاح للقطاع المصرفي الاسلامي فقد بدأت بعض الدول الاسلامية في التفكير للانتقال بنظامها المصرفي التقليدي الي النظام المصرفي الاسلامي ، غير ان هذا الانتقال لا يتم بين عشية و ضحاها ، و لا يتم بمبادرات سياسية أو حملات دينية أو شعبية ، إنما يتم ذلك وفقا لخطط اقتصادية مدروسة حتى تضمن الانتقال الناعم الذي لا يشوه النظام الاقتصادي و يؤدي الي نتائج عكسية قد تؤدي الي فشل عملية الانتقال و العودة الي النظام التقليدي . و قد وضح الخبير الاقتصادي في صندوق النقد الدولي و المتخصص في الأنشطة الاقتصادية الاسلامية خوان سول المراحل التي يجب ان يمر بها النظام الاقتصادي أثناء انتقاله من النظام التقليدي الي نظام الصيرفة الاسلامي :
في ظل هذا النجاح للقطاع المصرفي الاسلامي فقد بدأت بعض الدول الاسلامية في التفكير للانتقال بنظامها المصرفي التقليدي الي النظام المصرفي الاسلامي ، غير ان هذا الانتقال لا يتم بين عشية و ضحاها ، و لا يتم بمبادرات سياسية أو حملات دينية أو شعبية ، إنما يتم ذلك وفقا لخطط اقتصادية مدروسة حتى تضمن الانتقال الناعم الذي لا يشوه النظام الاقتصادي و يؤدي الي نتائج عكسية قد تؤدي الي فشل عملية الانتقال و العودة الي النظام التقليدي . و قد وضح الخبير الاقتصادي في صندوق النقد الدولي و المتخصص في الأنشطة الاقتصادية الاسلامية خوان سول المراحل التي يجب ان يمر بها النظام الاقتصادي أثناء انتقاله من النظام التقليدي الي نظام الصيرفة الاسلامي :
المرحلة الأولى : طرح منتجات مالية إسلامية
مختارة
![]() |
مصرف الراجحي السعودي - أحد أكبر المصارف الاسلامية في العالم |
حيث تقوم المصارف التقليدية بفتح مشروعات
تجريبية تدرس من خلالها السوق و العملاء و تستقرئ من خلال السبل التي تمكنها من
النجاح ، و تعتبر هذه النوافذ كتجربة اختبارية و تدريب للمصرف على كيفية الدخول في
الانشطة المالية الاسلامية و تقديمها للسوق و العملاء بالشكل المناسب . هذه
النوافذ تتبع المصارف التقليدية و لكن كل ما يقدم فيها من منتجات يخضع لأحكام
الشريعة الاسلامية أي انها توفر منتجات مالية إسلامية تحت إدارة المصرف التقليدي و
يكون نشاطها صغيرا و متوسطا بحيث تقوم بتهيئة السوق و الزبائن و الموظفين للقيام
بأعمال المصارف الاسلامية . و مراعاة لقواعد الشريعة الاسلامية و حتى لا تختلط
الأصول الاسلامية و ايراداتها و نشاطاتها مع أصول المصرف التقليدي يتم تصميم
النظام المالي و المحاسبي بحيث يحقق فصلا تاما للحسابات المالية للنوافذ الاسلامية
عن حسابات المصرف التقليدي.
مع ازدهار نشاط النوافذ الاسلامية و توسع
أعمالها ، فإن البنك التقليدي سيسعى لتحويل النافذة الاسلامية الي فرع اسلامي
مستقل . و هذا الاتجاه في اطلاق المصارف الاسلامية يعد أكثر شيوعا في جنوب شرق
آسيا و الدول الغربية أكثر منه في دول الشرق الأوسط حيث اتجهت هذه الدول إلى تأسيس
مصارف اسلامية مباشرة دون المرور بمرحلة النوافذ الاسلامية كما حدث في الكويت و
سوريا و ربما يرجع ذلك – و هذا رأي شخصي – الي مركزية هذه الدول و تحكم الدولة في
النظام الاقتصادي بشكل مباشر من خلال القطاع العام و تدخلها بشكل كبير في عمل
القطاع الخاص .
المرحلة الثانية : فتح مصارف إسلامية
![]() |
بيت التمويل الكويتي - المصرف الاسلامي الأول في الكويت و الثاني في الخليج |
ما أن يستقر وضع النافذة الاسلامية في المصرف
التقليدي و تتضح الرؤيا جليا فيما يخص الامكانيات البشرية المطلوبة و المتطلبات القانونية و التشريعية و الشرعية و الادارية و الفنية ، فإن المصرف
التقليدي سيفكر جديا بتحويل النافدة الي فرع اسلامي ، بل إن النشاط قد يتطور ليصبح
بعد ذلك مصرفا اسلاميا كاملا و ليس فرعا فقط ، مع الأخذ بعين الاعتبار ان توفير
فروع اسلامية يعطي المرونة للمصرف للتعامل التقليدي في الفروع الأخرى كما يقدم
الخيار للزبون في التعامل مع الفرع الذي يختاره ، و من جانب أخر فإن المصارف
الاسلامية الكاملة تشكل ضمانا أكثر لاتباعها أصول الشريعة بشكل أكثر فعالية و دقة
و مصداقية من المصارف ذات النشاطين التقليدي و الاسلامي .
المرحلة الثالثة : تقديم أدوات و مؤسسات
مالية إسلامية غير مصرفية
![]() |
HSBC و منتجات أمانة المصرفية الاسلامية |
مع ازدهار نشاط المصارف الاسلامية و تعدد
نشاطاتها و منتجاتها فإنها بذلك تؤسس بيئة اقتصادية مناسبة لازدهار الأنشطة
المالية و الاستثمارية ذات الطابع الاسلامي و تفتح بذلك المجال للمؤسسات الاسلامية
الاخرى لممارسة نشاطها من خلال عمل المصارف الاسلامية كوسيط مالي شرعي يساهم في
تسهيل عمليات هذه المؤسسات و ضمان خضوعها للمتطلبات الشرعية الاسلامية و توفير
مرجعية مؤسسية لها كالمنتجات الضمانية الاسلامية (تكافل) و صناديق الاستثمار و
الصكوك الاسلامية .
المرحلة الرابعة : الأسلمة الكاملة النظام المصرفي
:
قرار التحول الكامل للنظام المصرفي الاسلامي
يخضع لعدة اعتبارات سياسية و دينية ، و لا يوجد دليل علمي حتى الآن يؤكد أن النظام
المصرفي الاسلامي أفضل من او أقل كفاءة من النظام المصرفي التقليدي . و بطبيعة
الحال فإن النظام المصرفي الاسلامي يبدو اكثر ملاءمة و قابلية للتطبيق في الدول
ذات الأغلبية المسلمة . و من الدول التي تتبني نظاما اسلاميا ماليا متكاملا إيران
و السودان ، حيث بدأ تطبيق ذلك في إيران منذ عام 1983 و في السودان منذ عام 1992 .
و من جانب أخر فقد لجأت بعض الدول الاسلامية الي اعتماد نظام مختلط و قد ساهم ذلك
بشكل كبير في تطوير نشاط المصارف الاسلامية و المؤسسات المالية الاسلامية و
ازدهارها بشكل كبير كما هو الحال في ماليزيا و البحرين ، حيث ساهم هذا النظام
المختلط في خلق بيئة تنافسية و أظهر بشكل واضح و جلي سرعة النمو و التطور و
الازدهار التي يحققها القطاع المصرفي الاسلامي مقارنة بالقطاع المصرفي التقليدي
رغم كل ما يتمتع به النظام التقليدي من حضور و انتشار في مختلف دول العالم . كما
ان الأسلمة الكاملة قد تشكل عائقا امام الاقتصاد الوطني في التعامل مع الدول
الأخرى و الاقتصادات العالمية الكبرى نظرا لمحدودية النشاط المصرفي الاسلامي فيها
و اقتصار انتشاره على الدول ذات الأغلبية المسلمة.
إن
قرار التحول الي النظام الاسلامي في المعاملات المالية و التجارية بشكل كامل هو
قرار كبير و يتطلب تنفيذه وضع خطة اقتصادية متكاملة تمتد لعشرات السنوات و تمر
بعدة مراحل حتى يتم تحقيق الهدف بكفاءة و فعالية.
يجب علينا الإدراك تماما ان
مثل هذا النوع من القرارات يجب ألا يكون قرارا سياسيا او يترك أمره للمؤسسات
الدينية فقط و انما يجب ان يكون قرار اقتصاديا حتى لا يؤدي ذلك الي فشل أسلمة
النظام المصرفي و العودة بشكل متطرف الي النظام المصرفي التقليدي .