سلسلة حكايات محاسبية - 3
جنرال موتورز و لعنة التكاليف الثابتة !
الشركة العملاق جنرال موتورز و التي كانت
تصنع أكثر من 9 مليون سيارة و شاحنة سنويا و تنتشر في 34 دولة بفروعها التي وصلت إلي
463 فرعا و موظفيها 234500 موظفا ، 91000 موظفا منهم يعملون في فروع الشركة في
الولايات الأمريكية المتحدة ، توفر الشركة التأمينات الطبية و المعاشات التقاعدية
لـ 439000 موظف متقاعد. و في أمريكا فقط تنفق الشركة 50 مليار دولار سنويا لشراء
القطع و توفير الخدمات من 11500 موفر خدمة و مصانع أخرى و تدفع 476 مليار دولار في
شكل مرتبات شهرية. بعد حفاظها لمدة 80 عام على لقب شركة السيارات
الأكبر في العالم ، جنرال موتورز أعلنت افلاسها سنة 2009 .
انخفاض المبيعات و صعود
المنافسين اليابانيين مثل تويوتا و هوندا أثر على قدرتها في البقاء و لعل السبب الرئيسي
هو ذلك التضخم الكبير في معدلات التكاليف الثابتة المرتفعة مقارنة بالشركات
اليابانية المنافسة مما جعلها عاجزة عن مجاراة التغيرات في السوق و البقاء في وضع
تنافسي مناسب ، تلك التكاليف التي لا تنخفض مع انخفاض عدد السيارات التي تقوم
جنرال موتورز بتصنيعها و بيعها. سياسة ربط الاحزمة التي تتبعها الشركة خلال قرن
من عمرها لكي تستطيع المنافسة مع الشركات اليابانية طالت فقط التكاليف المتغيرة ،
و لكن النسبة المرتفعة لتكاليف التشغيل الثابتة بسبب الالتزامات مع اتحادات العمال
جعلت من الصعب على الشركة إغلاق المصانع أو تخفيض قيمة المعاشات التقاعدية و
التأمينات الصحية للعمال المتقاعدين . لتغطية تكاليفها الثابتة فإن شركة جنرال
موتورز تحتاج الي بيع كثير من السيارات حيث بدأت في عام 2001 بعروضات بيع بحسومات
و حوافز و قد نجحت لبضع سنوات في رفع المبيعات و فتح أسواق جديدة في الصين و
أوروبا ، غير انه بحلول عام 2005 بدأ نمو نشاط الشركة في الانخفاض و وصلت خسائرها الى 10.4 مليار دولار ، و كنتيجة لذلك فقد شرعت الشركة في خطة إعادة تنظيم
تم خلالها إغلاق أكثر من 12 مصنع ، الغاء آلاف الوظائف و تخفيضات في مرتبات
العاملين و تجميد برنامج المعاشات التقاعدية ، و برغم السياسة التقشفية التي
اتبعتها الشركة من اجل تخفيض نفقاتها الا أنها لم تكن كافية لتساير التغيرات في
اسعار السوق للسيارات و الشاحنات في الولايات المتحدة و تزامن ذلك مع الارتفاع في
اسعار البنزين ، لقد بدا واضحا أن الشركة تعاني انخفاضا حادا في المبيعات .
في أواخر عام 2008 و مع اشتداد الازمة
الاقتصادية ، اعلنت شركة جنرال موتورز عن خططها لتخفيض ما قيمته 15 مليار من
تكاليفها ، و الحصول على 5 مليار كإيرادات من بيعها لبعض الأصول لكن ذلك لم يكن
كافيا. بحلول شهر نوفمبر 2008 كانت شركة جنرال موتورز قد خسرت 18 مليار دولار خلال
العام و قد اقرضتها الحكومة الامريكية 20 مليار دولار لتستمر في تشغيل أعمالها . و
برغم كل الجهود المبذولة لانقاذ الشركة الا ان حجم التكاليف الثابتة الهائل قاد
الشركة الى الافلاس . في الأوراق المقدمة للمحكمة لاشهار الافلاس أقرت الشركة بأن
أصولها بقيمة 82.3 مليار دولار في حين ان الديون تصل الى 172.8 مليار دولار.
 |
مقر الشركة في مدينة ديترويت الأمريكية |
لقد أدت سوء إدارة التكاليف في الشركة الى
انهيار أكبر عملاق في العالم في صناعة السيارات ، جهل الادارة و متخذي القرارات بالمحاسبة
الادارية و عدم معرفة المدراء بطبيعة التكاليف المتغيرة و الثابتة و تأثيرها في
الأرباح و تحديد الأسعار و الوضع التنافسي أدى الى تحول العملاق الي قزم في عالم
الاقتصاد .
المصادر