الأربعاء، 4 نوفمبر 2015

القيمة الاقتصادية للمعلومات

(سلسلة المقالات العلمية ) - المقالة رقم 3


القيمة الاقتصادية للمعلومات
تستمد المعلومات أهميتها من ارتباطها بمختلف مجالات النشاط البشري ، فمن منا لا يحتاج في أبسط أمور حياته اليومية إلي معلومات ، و من منا لم تتأثر مصالحه يوما بنتيجة المعلومات ، سواء كان ذلك في تعامله مع نفسه أو مع مجتمعه أفرادا و هيئات ، و قد أدي التوسع المتزايد في نشاط الهيئات العلمية و المؤسسات الصناعية و التجارية إلي إنتاج كميات ضخمة من المعلومات المتصلة بنشاط هذه المؤسسات .
من هنا ظهرت مشكلة تحديد قيمة المعلومات باعتبار أن المعلومات تمثل موردا ذا طبيعة خاصة يختلف عن طبيعة الموارد الاقتصادية الأخرى .

مفهــــوم المعلومات
تحيط بالإنسان في حياته اليومية مجموعة هائلة من البيانات ، في أشكال متباينة حروف ، أرقام ، رموز ، كلمات ، أوراق ، و آلاف الأشياء الأخرى ، و تظهر الحاجة إلى هذه البيانات متى ما ظهر هدف معين ، أو استعمال محدد لها . و بالتالي فإن هذه البيانات يتم تجميعها في شكل ذا معنً ، أو تفسيرها ، أو تحليلها بحيث يمكن  تسجيلها ، و تداولها ، و نشرها ، و توزيعها ، سواء كان ذلك في صورة رسمية ، أو غير رسمية ، لتتحول من مجرد بيانات " Data " إلي معلومات " Information "
، و ذلك لتحقيق الهدف المعدة من أجله . فالمعلومات بمعناها البسيط هي عبارة عن المنتج النهائي للمادة الخام و هي البيانات التي يتم تشغيلها وفق سير مراحل النظام . و بالتالي يمكن القول أن المعلومات هي بيانات معدة بحيث تعبر عن قيمة معينة ، و تهدف إلي تحقيق هدف معين . أي أن المعلومات بمثابة تعريف للبيانات و تحديد لقيمتها و نوعيتها و طريقة استخدامها .

مفهوم القيمة و ارتباطها بالسلع ، و هل تعتبر المعلومات سلعة ؟
تعطى كلمة القيمة في علم الاقتصاد مفهومين اثنين ، المفهوم الأول أن كلمة القيمة تدل على القيمة التبادلية " Value of Exchange " و هي الكمية من السلعة التي يجرى تبادلها مقابل سلعة معينة ، و في المراحل المتقدمة من التطور الاقتصادي يتم اختيار سلعة ما لقياس القيمة النسبية للسلع الأخرى ، و تسمى هذه السلعة بالنقود .
و يقصد من ذلك أن القيمة التبادلية لأي سلعة هو سعرها ، و لكي تكون للسلعة قيمة تبادلية فلابد أن يتوفر فيها الشرطان الآتيان :
- المنفعة : و ذلك من خلال إشباع رغبة إنسانية معينة ، و يظهر ذلك بشكل اقتصادي من خلال الطلب على السلعة .
- الندرة النسبية : أي أنها توجد بكميات محدودة ، و تتكلف قدرا معينا من الموارد في سبيل إنتاجها و تظهر بشكل اقتصادي متمثلة في عرض السلعة .
و بالتالي فإن القيم التبادلية تتأثر بشكل مباشر بقوى العرض و الطلب .
أما المفهوم الآخر للقيمة يتحدد من خلال استعمالها أو ما يطلق القيمة المستفادة
 "Value in Use " و يقصد بها المنفعة الكلية التي تحققها كمية من هذه السلعة لشخص معين.
لذا فإنها ترتبط بالتقدير الشخصي للسلعة ، فقد تجد بعض السلع لها قيمة استعمالية كبيرة ، و مع ذلك قيمتها التبادلية ضئيلة مثل الماء فهو سلعة قيمتها الاستعمالية كبيرة جدا لأنها تتحدد من خلال منفعتها الكلية ، في حين أن قيمتها التبادلية ضئيلة لأنها تتحدد بالمنفعة الحدية ( و يقصد بها المنفعة الإضافية التي تزداد بزيادة الاستهلاك من السلعة ) .
يلاحظ مما سبق أن القيمة ترتبط ارتباطا مباشرا بالسلعة ، فما هي السلعة ؟ و هل يمكن القول أن المعلومات سلعة ؟
تعرف السلعة على أنها أي شئ يمكن أن يكون موضع تبادل . كما أن السلعة يجب أن تكون لها القدرة على إشباع رغبة ما ، و تتصف بخاصية الندرة أي أن الكمية التي تعرض منها أقل نسبيا من الطلب عليها و بالتالي يمكن تحديد سعرها . و السلع إما أن تكون سلعا استهلاكية يحدث فيها الإشباع بشكل مباشر مثل الطعام و المسكن ، أو سلع رأسمالية يحدث فيها الإشباع بشكل غير مباشر و تستخدم  في إنتاج سلع أخرى و لذلك تسمي بالسلع الإنتاجية . كما أن السلع التي يتم استهلاكها كليا بواسطة شخص واحد تسمى " سلعا خاصة " في حين تسمى السلع التي لا تتأثر تكاليفها بعدد الأشخاص المنتفعين بها أي أنها منتج أو خدمة بدون تكاليف حدية ( إضافية ) للمستخدمين الإضافيين " سلعا عامة "  .  و بالنظر إلي المعلومات نجد أنها تحقق منفعة لمستخدمها ، و هو المستقبل من خلال إضافة معلومات جديدة لمعرفته بالنسبة للمهمة التي يقوم بها أي أنها مثل السلع لها قدرة على إشباع حاجة معينة . و المعلومات محدودة و لا تتوفر بشكل طبيعي أو مطلق ، إذ يجب إعدادها و توزيعها و نشرها أي أنها نادرة نسبيا ، مما يعني أنها تتأثر بقوى العرض و الطلب ، و من هنا يمكن القول أن المعلومات سلعة .
و توصف المعلومات بأن لها وفورات خارجية إيجابية أي أنها تمثل قيمة للمستخدمين الآخرين غير المقصودين ، و ذلك بدون أية تكاليف إضافية ، أو بقدر بسيط منها في حين الاستخدام المباشر للمعلومات يلزم المستخدمين بتحمل التكاليف المبدئية التي تتم بالنسبة لتجهيز البيانات أو الأفكار ، و خاصية المعلومات ذات التكاليف المباشرة العالية مع التكاليف الحدية المنخفضة تضع المعلومات في فئة السلع شبه العامة ، حيث يبدو في معظم الأحوال أن للمعلومات تكاليف حدية منخفضة جدا تتمثل في التكاليف الإضافية لتوزيع المعلومات ، حيث تكون عادة صغيرة جدا بالنسبة للتكاليف المبدئية ، و بالتالي فهي سلعة عامة ، أو شبه عامة أكثر منها سلعة خاصة.
و هناك خصائص تميز المعلومات عن غيرها من السلع ، و هذه الخصائص نتيجة للوفورات الخارجية الايجابية و تتمثل في:
     - خاصية عدم النضوب :  من خلال وجود المعلومات بعد الاستهلاك ، فهي تنتشر دون أن تقل ، و دون تحمل تكاليف حدية كبيرة .
    - خاصية عدم الاستحواذ الكامل : حيث لا يمكن احتواء المعلومات أو احتجازها لاستخدام معين أي أنها تنتشر حتى و لو كانت موجهة إلي شخص بعينه .
كما أن المعلومات تتميز بصفات أخرى مثل القدرة على المشاركة ، و القابلية للانضغاط ، و القابلية للاستبدال ، و هذه تميز منتجات المعلومات و تلقى بذلك الشك على معالجة منتج المعلومات كالسلع الأخرى . و من هذا المنطلق فقد ذهبت العالمة الاقتصادية " Beth Allen " إلي أن إدخال المعلومات كسلعة اقتصادية يخالف الافتراضات المتفق عليها في النظرية الاقتصادية الجزئية.

قيمة المعلومة  
  إن محاولة تحديد قيمة حقيقية و موضوعية للمعلومات يمثل مشكلة صعبة ، لأن التعامل هنا ليس مع سلعة عادية ، و إنما مع سلعة لها خصائص تميزها عن غيرها من السلع الاقتصادية الأخرى .فأثر المعلومات يظهر من خلال تغير في البنية المعرفية الشخصية للمتلقي للمعلومة ، و هذا أمر معنوي غير ملموس ، و لا يمكن قياسه بشكل دقيق أو بطريقة اقتصادية حيث تتحدد قيمة المعلومة بالدرجة الأولى من خلال مستقبل المعلومات ، و درجة استفادته منها ، لأن الاستخدام للمعلومة هو الذي يضفي عليها صفة القيمة .
فالمعلومات غالبا ما يتم الحصول عليها لغرض بعينه ، و من ثم فإن مقياس القيمة من خلال الاستخدام الفعلي لخدمة هذا الغرض ، و إذا كان كل ما يقدم لجميع المتلقين من معلومات يستثمر أو يستفاد منه ، فإننا يمكن أن ندعى أن الخدمة تحقق 100 % من القيمة في استجابتها لما يقدمه هؤلاء من طلبات .  و هذا يعتبر من الناحية العملية أمرا مستبعد الحدوث ، إن لم يكن مستحيلا ، لأن مستخدمي المعلومة هم بشر مختلفون ، و من الصعب جدا أن تتفق وجهات نظرهم في استخدام نفس المعلومة ، و ذلك يعود للسلوك الإنساني ، و تأثيره في تحديد أهمية المعلومة و اختلاف الهدف و طريقة التفكير من مستخدم لآخر .
و تتمثل قيمة المعلومة في قيمة التغير في القرار و الذي يكون سببه المعلومات ، مطروحا منها تكلفة الحصول على هذه المعلومات .  و في حالة وجود عدد من البدائل أمام متخذ القرار فإن اختياره لإحدى البدائل يكون بناء على المعلومات المتوافرة لديه ، فإذا أدى توفير معلومات جديدة و إضافية إلي اختيار بديل معين ( و من ثم قرار آخر ) فإن قيمة المعلومات في هذه الحالة تمثل الفروق بين نتائج القرار الأول و نتائج القرار الثاني مطروحا منها تكلفة الحصول على هذه المعلومات الإضافية التي أدت إلي تغيير القرار ، لذا يمكن القول أنه إذا لم تؤد المعلومات الإضافية و الجديدة إلي تغير القرار المتخذ سابقا فإن قيمة المعلومات تساوي صفر .
إن الاستثمار في مصادر المعلومات يمثل إيجابية تتمثل في معلومات اقتصادية أكثر دقة تؤدي إلي قرارات أفضل ، غير أن هناك اعتبارات يجب مراعاتها قد يكون لها أثر سلبي و تتمثل في :

- تكلفة إنتاج المعلومات :
تختلف تكلفة إنتاج المعلومات من تنظيم لآخر ، و هناك عدة عوامل تؤدي إلي الاختلاف منها :
1- التنظيمات لها أحجام مختلفة .
2- طبيعة النظم أو الغرض منها ، حيث توجد تنظيمات الغرض الأساسي لها إنتاج معلومات لتنظيمات أخرى ، في حين أن هناك مؤسسات تمثل المعلومات فيها وسيلة للمساعدة في اتخاذ القرارات السليمة .
3- نوعية الإدارة و الطرق التي تستخدمها في أدائها للعمل . 
4- اختلاف الطرق المحاسبية لمعالجة تكلفة إنتاج المعلومات تساهم في الاختلاف الموجود في تقارير التكاليف .

- العائد غير المؤكد للمعلومة :
العلاقة بين الإنتاجية و استخدام المعلومات ليست علاقة قاطعة مانعة ، فإذا اشترى الفرد 10 % حديد أكثر ، فمن الواضح أنه يمكن أن ينتج 10 % إنتاج أكثر ، و لكن عندما يشتري الفرد 
10 % معلومات أكثر فليس من الواضح أبدا ماذا يمكن أن يحدث ؟   
حيث أن القرارات يتم اتخاذها في ظروف من عدم التأكد ، بل إنه في بعض الأحيان يتم اتخاذ القرار على عكس ما تشير به المعلومات ، و بالتالي فإن قيمة المعلومات هنا تصبح صفرا ، كما أنه من الصعب ربط النتائج الايجابية لاتخاذ القرار دائما بتوفر المعلومات التي يتم الاعتماد عليها حيث أن نجاح القرار بالدرجة الأولى يعتمد على متخذ القرار .

- العائد على المدى الطويل :
تتمثل المعلومات في المعرفة النظرية و الحقائقية المتاحة للفرد ، أي أنه يمكن اعتبارها كاستثمار في الفرد و الذي سيتحول بالمعلومات الصالحة إلي عامل أكبر تأثير في الإنتاجية .
و لذلك فإنه يمكن الحصول على المعلومات و اختزانها كاستثمار ، و ليس للاستهلاك كمنتج أي أنه يمكن معاملتها كمورد رأسمالي ، و بالتالي فإن قيمتها لا تتحدد بوضوح إلا بتحقيق العائد الذي غالبا ما يكون فقط على المدى البعيد ، في حين أن الإنفاق يتم مباشرة و يعني ذلك أن معظم الاستثمارات المعلوماتية تتم على فترة طويلة من الزمن .


و الخلاصة إن المعلومات تمثل موردا هاما لأي تنظيم ، و عادة ما ينتج عنها و كمثل أي مورد تكاليف معينة من أجل الحصول عليها أو إنتاجها ، و من غير الاقتصادي لأي تنظيم تحمل تكلفة تفوق العائد أو القيمة المتوقع الحصول عليها ، بالتالي فإن الرغبة تنعدم في الحصول على المعلومة متي ما كان استثمار 2 دينار مثلا للحصول على ما قيمته 1 دينار معلومات . و بالرغم من وجود عدة ظروف و عوامل تؤثر في تقييم المعلومات ، ففي التحليل النهائي فإن المستخدم لهذه المعلومة هو وحده القادر على تقدير القيمة الحقيقية لها .